التاسع عشر (19) من ماي 1956 يوم الطالب

إن التطورات السياسية والعسكرية التي كانت تمر بها الــجزائر والوضعية المزرية التي كان يعيشها الطلبة الجزائريون في ظل الحكم الاستعماري كانت وراء التفكير في تأسيس تنظيم طلابي كفيل بتغيير وضعيتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية، وليدافعوا من خلاله عن قضيتهم الوطنية. فكان ميلاد "الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين" بعد مرور تسعة أشهر من اندلاع الثورة التحريرية. 

تأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين:

 

بتاريخ 27 فيفري 1955، وبمبادرة من "جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا" تم توجيه نداء لكل الطلبة يحثهم على الانضمام والمشاركة فــي تشــكيل "الاتحـــاد العــام للــــطلبة المسلمـــين الجزائرييـــن" UNION GENERALE DES ETUDIANTS MUSULMANS ALGERIENS  (U.G.E.M.A) الذي عقد مؤتمره التأسيسي في باريس فـــي الفتـــرة الممـــتدة مـــا بــين 8 و 14 جويلية 1955 بحضور شخصيات ثقافية وسياسية وممثلين عن المنظمات الطلابية بما فيها الاتحاد الوطني للطلبة الفرنسيين.

تناول المؤتمر ثلاثة محاور رئيسية هي:

- جمع شمل الطلبة الجزائريين وتوحيد صفوفهم باستيعاب أكبر عدد منهم.

- العمل على إعطاء اللغة العربية مكانتها باعتبارها المحرّك الأساسي للثقافة الجزائرية.

- مشاركة الطلبة في الحياة السياسية للبلاد.

ولقد أقرّ المؤتمر الهيكلة التنظيمية للاتحاد وشروط الانخراط  فيه عن طريق الفروع المحلية، كما تم انتخاب اللجنة التنفيذية المكوّنة من:

- "أحــمد طالــب الإبراهيـــمي" رئيــسا، "العيــاشي ياكر" نائبــــا، "مولود بلهوان" كاتبا عامـــا، "عبـــد الرحمان شـــريط" كاتبا مســـاعدا و"محــمد منصــور" أمين المال.

واختيرت باريس مقرا مركزيا لـ "الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين" بصفة مؤقتة تفاديًا لأحكام حالة الطوارئ السائدة آنذاك عبر التراب الجزائري.

                إنّ تأسيس الاتحاد لم يكن فقط مبادرة للتعبير عن تمسّك الطلبة الجزائريين بانتماءهم الحضاري ومبادئهم الوطنية، بل كان أيضا في جوهره عملا سياسيا مرتبطا بالمسار الذي اتخذه الشعب الجزائري تحت لواء جبهة التحرير الوطني ابتداءً من الفاتح من نوفمبر 1954.

النضال السياسي للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين:

 

دخل "الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين" في معترك الحياة السياسية للبلاد موجّها نداءاته العديدة الى الرأي العام الفرنسي مندّدا بالعمليات الإجرامية ضد الشعب الجزائري، وبتجاوزات سلطات الاحتلال المُرتكبة في حق الطلبة الجزائريين الذين تعرّضوا للمضايقات والاستفزازات إلى حد اعتقال العديد منهم.

وبالرغم من كل النداءات والاحتجاجات التي رفعها الاتحاد من أجل إقناع السلطات الاستعمارية للتراجع عن سياستها القمعية، إلا أنها أصرّت على مواصلة نفس الأساليب مما اضطر اللجنة التنفيذية للاتحاد إلى الدعوة لعقد مؤتمر ثان للنظر في الوضع الخطير.

نـــتائج الـمـــؤتمر الثــاني للاتــحــاد:

 

عقد "الاتحاد العام للطلبة المسلمين" مؤتمره الثاني في الفترة الممتدة من 24 إلى 30 مارس 1956 بالعاصمة الفرنسية باريس، وحضره 60 ممثلا لِما يزيد عن ألف طالب بفرنسا والجزائر، كما حضر ممثلون عن التنظيمات الطلابية التونسية والمغربية والإفريقية والأوروبية. 

لقد اتخذ الاتحاد موقفا جريئًا وصريحًا من الاستعمار الفرنسي، وكفاح الشعب الجزائري، بمطالبته بالاستقلال باعتباره أول هدف رسمته قيادة الثورة الجزائرية.  وختم المؤتمرون لقاءاتهم بإجراء عملية التجديد والانتخاب للجنة التنفيذية، أسفرت عن ظهور التشكيلة الآتية:

ــ "ميلود بلهوان" رئيسا، "محمد خميستي" أمين عام، وأعضاء آخرون: "رضا مالك"، "عبد المالك بن حبيلس"، "علي لخضاري" مع بقـــاء "أحمد طالب الإبراهيمي" رئيسًا شرفيًا.

إضـــراب 19 مــاي 1956 اللامــحدود:

 

أمام تعنّت السلطات الاستعمارية وعدم استجابتها لمطالب "الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين" وتزايد البطش الاستعماري إزاء الطلبة الجزائريين، إضافة إلى اتساع رقعة الثورة التحريرية بعد انضمام مختلف التشكيلات السياسية إلى صفوفها، بلغ التوتّر أوجّه في الوسط الطلابي بجامعة الجزائر بالعاصمة وخاصة بعد المؤتمر الثاني وما تبعه من حــركة احتــجاجية مستمـرة بسبب حملة الاعتــقالات التي مسّت عدداً كبيراً من الطلبة وتعذيبهم، بباريس والجزائر. ومما زاد  الأمر تعقيدا رواج إشاعة اغتيال الطالب "فرحات حجاج" الذي اختفى بعد اعتقاله، لذا قرّرت قيادة فــرع الاتحـــاد الطــلابي بالعــاصمة الاجـتماع بحي "بيرسو" الجامعي - الواقع بتليملي-  لدراسة سُبُل مواجهة الموقف.  وبعد أخذ ورد، تم الاتفاق على عقد اجتماع عام للطلبة للنظر في الأمر.

انعــقد الاجــتماع العام الأول في 17 مـاي 1956 بنــادي "الدكتور سعدان" مقر حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري سابقا وطُرحت خلاله قضية الإضراب الشامل والمفتوح عن كل الدروس. وبفضل تدخّل عناصر التنظيم السري لجبهة التحرير الوطني، تقبّلت الأغلبية الفكرة، مع تحمّل ما يترتب عنها من نتائج، في حين عارضت أقلية فكرة الانقطاع عن الدروس، وبرّر بعضهم رفضه للفكرة بتأكيده أن واجب الطالب المقدّس إزاء الثورة ومستقبل الأمة، يكمن في التفرغ للعلم والدراسة  قصد توفير إطارات الغد.

تقرّر عقد الاجتماع العام الثاني في اليوم الموالي، وفي جوّ زاده حماسا وجود تلاميذ الثانويات، وتوّج هذا الاجتماع بصدور بيان أُعلن من خلاله الطلبة الدخول في إضراب لا محدود عن الدروس والامتحانات ابتداءً من يوم 19 ماي 1956، والالتحاق جماعيا بمعاقل الثورة دعمًا للكفاح الوطني المسلّح.

وتم توزيع بيان الإضراب على الطلبة في كل الأحياء الجامعية بــ " بن عكنون" و" بيرسو" و " كلارتي". وقد تضمّن النداء التاريخي للإضراب " التذكير بالاغتيالات والمتابعات التي تعرّض لها الطلبة من طرف السلطات الفرنسية وإمعانها في قمع الحريات وغلقها لباب الحوار. رافضين الشهادات التي تمنحها فرنسا إليهم على كاهل جثث الأبرياء من أبناء وطنهم... ومن هنا جاء إعلانهم النهائي على أنهم يفضلّون  الموت إلى جانب المجاهدين على الحياة بدون معنى".

النضــال الــثــوري للــطلــبة الجــزائريين:

 

إنّ إضراب الطلبة والتحاقهم بجيش التحرير الوطني ومنظمته السياسية جبهة التحرير الوطني كانت الخطوة الأولى التي تلتها خطوات عديدة تدعيمًا للنضال الثوري، إذ بعد أيام قلائل من إضرابهم عن الدروس والامتحانات التحقت دفعة أولى من جامعة الجزائر تضم أكثر من 157 طالب بصفوف جيش التحرير الوطني. وزيادة على استجابة الطلبة الجزائريين للإضراب في جامع الزيتونة بـتونس وجامع القرويين بمدينة فاس المغربية، سُجلت استجابة كبيرة بالجامعات الفرنسية تلبيةً لنداء قيادة الثورة الجزائرية.  ورغم أن أمر الإضراب كان يتعلّق بطلبة الجامعات، فإن تلاميذ الثانويات كانوا أكثر استجابةً لهذا النداء الذي شمل حوالي 90 منهم حسب بعض الاحصائيات.

وهكذا تدعّمت صفوف الثورة التحريرية بالعديد من الطاقات العلمية الشابة بعد انضمام الطلبة الجامعيين وتلاميذ الثانويات والمتربصين في مراكز التكوين، كمجنّدين ومعلمين وأطباء وممرضين، وإعلاميين مهمتهم تنوير الرأي العام العالمي والفرنسي بعدالة الكفاح الثوري للشعب الجزائري الهادف إلى استرجاع السيادة الوطنية وتحقيق الاستقلال التام.  

بعد 17 شهرا من مقاطعة الدروس والامتحانات عاد الطلبة الجزائريون إلى مقاعدهم في الجامعات والمدارس الفرنسية مع الحرص على  استمرارية النضال إلى غاية استرجاع  الاستقلال.  وعلى الرغم من العراقيل العديدة التي فرضتها الإدارة الفرنسية على النشاط السياسي للطلبة الجزائريين، إلا أن قناعتهم بشرعية الثورة وتحولاتها الإيجابية دفعتهم إلى الاستمرار في التنديد بسياسة الاحتلال القمعية، واستنكار الإجراءات التعسفية. وأمام هذا النشاط المُكثّف والمتعدد الجوانب، قرّرت وزارة الداخلية الفرنسية حلّ الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين  بتاريخ  28 جانفي 1958 بالرغم من  إحرازه  على مساندة ودعم العديد من المنظمات الطلابية العالمية، كما اعتقلت عددا من مسيّريه وأعضائه.  ونظرا لكثرة المضايقات اضطر أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد إلى مغادرة فرنسا باتجاه  بلدان العالم عبر سويسرا. أما الطلبة الذين قرّروا البقاء في فرنسا لمواصلة  دراساتهم الجامعية فعزموا على مواصلة نشاطاتهم في سرية تامة بالتنسيق مع فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا.  

إن أمر الإضراب اللامحدود عن الدروس والامتحانات والالتحاق بصفوف جبهة وجيش التحرير الوطنيين كان استجابة إلى إحدى الاهتمامات البالغة لقيادة الثورة في استعمال وتوظيف استراتيجيتها الثورية والسياسية خلال سنة 1956 حيث كانت ومنذ مدة تفكّر بوسائل شتى لاستقطاب ودمج الطلبة بشكل كلي في الكفاح الثوري .

وذلك ما تحقّق في الواقع بالتحاق الطلبة الجزائريين بمعاقل الثورة مما كان له أثر بليغ في مسار الكفاح الوطني بعد انضمام شباب في مقتبل العمر  من ذوي الكفاءات العلمية، قدّموا خدمات جليلة للثورة الجزائرية في شتى التخصصات، كما عكس مدى وعيهم الوطني والذي آل بهم نحو الائتلاف وجمع الشمل في مرحلة عصيبة من عمر الثورة الجزائرية في عامها الثاني التي كانت في أمس الحاجة لهذا النوع من التضامن الطلابي في الداخل والخارج للتعريف بعدالة القضية الوطنية والدفاع عنها إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية.